مقالات

ايمن مدين يكتب: ازمة شرق اوربا 2 “روسيا – اوكرانيا”

يختلف البعض حول تفسير المشهد فيما يخص ازمة شرق اوربا والحرب القائمة بين روسيا واوكرانيا واعتبر البعض روسيا دولة معتدية على دولة ذات سيادة .

فى حين ان البعض يرى ان روسيا تسعى لحفظ امنها القومى والحد من تمدد حلف الناتو فى محيطها ولكى نتمكن من تحديد ذلك علينا ان نلقى الضوء على بعض الاحداث . اولا علينا ان نتفهم ما هى الاحداث الاخيرة التى دفعت روسيا التى لطالما اعلنت انها لا تنوى الدخول فى حرب مع جارتها اوكرانيا ونفت عدة مرات تصريحات كلا من الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا عن عزم روسيا اجتياح اوكرانيا عسكريا . خوض الحرب ضد اوكرانيا بالفعل ولنفسر هذا علينا ان نعود الى العام 2014 بالتحديد اتفاقيات مينسك التى اقرت عقب ضم روسيا شبه جزيرة القرم اتفاق مينسك 1: و كان اهم ما جاء فيه انه نص على وقف فورى لاطلاق النار ، ضمان اجراء انتخابات محلية مبكرة ، مراعاة الوضع الانسانى واعادة الاعمار فى اقليم الدونباس والعمل على الانعاش الاقتصادى هناك .الا ان هذا الاتفاق تم خرقه إتفاقيات مينسك 2 : احتضنت العاصمة البيلاروسية مينسك قمة حضرها زعماء رباعية النورماندى ( روسيا – اوكرانيا – فرنسا – المانيا ) تم الاتفاق خلالها على مجموعة من الاجراءات الخاصة بتنفيذ اتفاقات مينسك وتم التوقيع عليها فى 11 فبراير من عام 2015 وكان الهدف منها وضع حد للنزاع فى منطقة الدونباس الواقعه فى شرق اوكرانيا . وتبنى مجلس الامن الدولى قرارا يدعم هذا الاتفاق فى 17 فبراير من العام نفسه . ونصت على اولا : وقف فورى وصارم لاطلاق النار طبقا لجداول زمنية محددة فى مناطق معينة من دونيتسك ولوهانسك .ثانيا : سحب كلا الطرفين جميع الاسلحة الثقيلة والعمل على انشاء منطقة امنة بين الجانبين على ان يبدأ سحب الاسلحة الثقيلة فى اليوم الثانى من وقف اطلاق النار بحيث تكتمل عملية سحب هذه الاسلحة فى خلال 14 يوما .

ثالثا : ضمان مراقبة عملية وقف اطلاق النار وسحب الاسلحة الثقيلة من جانب منظمة الامن والتعاون فى اوربا منذ اليوم الاول باستخدام جميع الوسائل التقنية اللازمة بما فى ذلك الاقمار الصناعية والطائرات بدون طيار وانظمة الرادار وغيرها .رابعا : بدء الحوار فى اليوم الاول عقب الانسحاب حول طرق اجراء الانتخابات وفقا للتشريعات الاوكرانية بشأن النظم المؤقت للادارة الذاتية لمناطق معينه منم منطقتى دونتسيك ولوهانسك و أيضا بشأن النزام المستقبلى لهذه المناطق على اساس هذه التشريعات . على ان يقوم البرلمان الاوكرانى بالاعتماد الفورى لهذه الوثيقة فى مدة لا تزيد عن 30 يوما مع الاشارة الى المناطق التى تخضع لنظام الادارة الذاتية فى منطقتى دونتسيك ولهانسك بناء على الخط المحدد فى مذكرة مينسك 1 المؤرخة يوم 19 سبتمبر من عام 2014.خامسا : ضمان الافراج عن جميع الرهائن والمحتجزين بشكل غير قانونى وتبادلهم جميعا . مع ضمان عفو من خلال قانون يحظر معاقبة الاشخاص الذين لهم علاقة بالاحداث التى وقعت فى منطقتى دونيتسك ولوهانسك .سادسا : انسحاب جميع القوات الاجنبية والمعدات العسكرية والمرتزقة من الاراضى الاوكرانية تحت اشراف منظمة الامن والتعاون فى اوربا سابعا : اجراء اصلاحات دستورية فى اوكرانيا ودخول الدستور الجديد حيز التنفيذ بحلول نهاية عام 2015 مع مراعاة خصائص مناطق دونيتسك ولوهانسك ويشترط ان تكون اللامركزية عنصر اساسى

ثامنا : استعادة الحكومة الاوكرانية السيطرة على كامل حدود الدولة فى جميع مناطق وانحاء الصراع .واستعادة اوكرانيا سيطرتها على جزء من نظامها المصرفى فى مناطق الصراع بحيث تستطيع صرف المعاشات والمدفوعات الاخرى .وعدد من البنود الاخرى التى تتعلق بحق المواطنين فى منطقتى دونيتسك ولوهانسك فى تقرير المصير اللغوى . وعدم التمييز ضدهملكن قامت اوكرانيا بخرق اتفاقيات مينسك عدة مرات . وهو ما دعى الرئاسة الفرنسية لادانة انتهاكات وقف اطلاق النار ودعت البلدان لتطبيق جميع بنود الاتفاق .

وكان هذا اثناء ولاية الرئيس الاوكرانى بترو بوروشينكو . وظلت اوكرانيا تعمل على خرق الاتفاق ومحاولة استعادة السيطرة على اقليم الدونباس . والذى انتهى باعلان جمهوريتا دونيتسك ولوهانسك جمهوريتان انفصاليتان ما دعى الحكومة الاوكرانية لقصف هاتان الجمهوريتان الانفصاليتان مما جعل روسيا تسارع بالإعتراف بانفصال هاتان الجمهوريتان ومن ثم تم توقيع اتفاقيات سياسية وعسكرية معهما . بموجبهما تدخلت روسيا عسكريا لحفظ السلام فى هاتان الجمهوريتان . وهو ما قوبل بانتقاد ورفض امريكى.

وعملت الولايات المتحدة الامريكية على استغلال تلك الفرصة التى كانت تنتظرها وتسعى ليها لكى تعمل على رأب الصدع فى علاقاتها مع دول اوربا والتى كانت قد دخلت فى حالة من الفتور عقب أزمة التجسس الشهيرة من الولايات المتحدة الامريكية على حلفائها الاوربيين ، ايضا اقدام امريكا على تأسيس حلف اوكوس وما اعقبه من ابرام صفقة عسكرية مع استراليا احدى دول هذا الحلف ترتب عليها فسخ استراليا لصفقة ضخمة كانت قد ابرمتها مع فرنسا فيما عرف بأزمة غواصات البراكودا الفرنسية انقسمت اوربا فى بادئ الامر حول طريقة الرد على التدخل العسكرى الروسى فى اوكرانيا فرأت بعض الدول مثل كرواتيا التى اعلن رئيسها عن عزمه سحب قوات بلاده من الناتو حال حدوث حرب ضد روسيا وبين دول تؤيد التحرك ضد روسيا . وفضلت امريكا وحلفائها الاوربيين دعم اوكرانيا لوجيستيا متعللين بكون اوكرانيا ليست دولة عضو فى حلف الناتو لكن فى الحقيقة هى ان دول الحلف تعانى من ضعف شديد . حتى ان الحكومة الالمانية اعترفت ان الجيش الالمانى فى حالة ضعف وتعهدت بتعزيز الانفاق على الجيش حتى يقوى من جديد .

كما تخشى ايضا امريكا وحلفائها التورط فى حرب عالمية جديدة بالتأكيد سيستخدم بها السلاح النووى والذى سيكون له اثر كارثى على العالم خاصة فى ظل ازمة تغيير المناخ وما ترتب عليه من اضرار .عمدت امريكا وحلفائها الاوربييون على تقديم الدعم المادى والعسكرى لاوكرانيا من خلال ارسال اسلحة دفاعية تساعد اوكرانيا فى صد الهجوم الروسى كما حثت دول الجوار ان تمد اوكرانيا بالاسلحة والعتاد . ومع تصاعد حدة النزاع طالب الرئيس الاوكرانى دول الناتو بإقامة حظر جوى فوق اوكرانيا بحيث يمكنها من التصدى لهجمات سلاح الجو الروسى ، لكن قوبل الطلب بالرفض وفضلت امريكا مد اوكرانيا بمنظومات صاروخية دفاعية مثل ستيجنر المضادة للطيران .

وجافلين المضادة للدروع كام قامت امريكا وحلفائها الاوربيين بفرض عقوبات اقتصادية صارمة طالت الرئيس الرةسى نفسه ووزير خارجيته وايضا عملت على تجميد الاصول الروسية ( ما قدر بنصف الاحتياطيات الروسية ). ووقف التعامل بنظام سويفت مع عدد كبير من البنوك الروسية على رأسها البنك المركزى الروسى. تعد هذه الحزمة من العقوبات غير مسبوقة الا ان روسيا وان تأثرت بهذه العقوبات الا انها كانت على استعداد مسبق لها .حيث استعدت روسيا باحتياطى ضخم قدر ب 630 مليار دولار . كما عملت روسيا فى الاعوام العشر الاخيرة على زيادة المخزون من المعدن الاصفر ( الذهب ) على حساب الدولار والعملات الاجنبية بحيث ارتفع الاحتياطى من الذهب ستة اضعاف حتى وصلت قيمة هذا المخزون الى ما قدر قيمته ب 140 مليار دولار . وهو ما ساعدها على امتصاص الاثار الكارثية على الاقتصاد الروسى جراء هذه العقوبات. كما ان روسيا قد اخف جزء من احتياطيها بمساعدة الصين . ما دعى امريكا واوربا لمطالبة الصين بالتوقف عن دعم روسيا اقتصاديا وعسكريا . وهو ما لم يلقى صدا عند الصين التى تعلم ان هزيمة روسيا تعنى فقدان حليف قوى . كما انها تعلم انه بمجرد ان تفرغ الولايات المتحدة من امر روسيا ستتحول مباشرة تجاه الخطر الاكبر كما ذكرت الصحافة الامريكية ( الصين ) .

كما ان روسيا قد تجهزت منذ عام 2014 لفرض عقوبات اقتصادية ضدها . مثل تلك التى واجهتها اثناء ازمة اقليم القرم ما جعلها تعتمد على نظام روسى بديل لنظام سويفت . هو نظام ( اس بى اف اس ) الذى نفذ اول معاملة ناجحة عام 2017 وهو يضم الان اكثر من 400 مؤسسة مالية فى شبكته وتسعى روسيا لضم حلفائها لهذا النظام ، كما توجه الروس للاستثمار فى العملات الاليكترونية المشفرة والتى يصعب تتبعها . وجاء الرد الاقوى حين اعلن الرئيس الروسى انه سيتم بيع النفط والغاز الروسى مقابل الروبل الروسى فقط مع الدول الغير صديقة . وهو ما ساعد على ارتفاع قيمة الروبل مقابل الدولار بنسبة كبيرة وصلت ل 80 % .

حيث ان روسيا تمد اوربا بما يقارب 40 % من امدادات الطاقة حيث تصل القيمة اليومية لمشتروات اوربا من الغاز الروسى ما يزيد عن 500 مليون يورو . ورغم هذا الكم من العقوبات الصارمة ضد روسيا . الا ان مجلة ( فورين افير ) الامريكية نشرت مقال اعربت فيه عن تخوفاتها من حدوث تغييرات كبيرة فى النزام المالى العالمى .

وقد عللت ذلك بأن الدول الغربية اعتادوا فرض العقوبات على الدول الصغيرة لذا تكون عواقبها عليهم خفيفة ، اما روسيا فهى دولة كبيرة تمتلك اقتصاد كبير له صلات عالمية واسعه وهو ما يخلق ضغط على الاقتصاد العالمى ومازالت الازمة مستمرة ومازال المشهد غير مكتمل وحتى الان لم يحقق طرف مكاسب على حساب الطرف الاخر لكن الواضح جدا هو ان الخاسر الوحيد هو الشعب الاوكرانى الذى يعانى القتل والتهجير بالاضافة إلى اوضاع انسانية صعبة .

كتبه ايمن مدين امين امانة جنبو القاهرة بالحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى عضو اتحاد الاثريين المصريين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى