مقالات

حنان فتح الباب تكتب: عشاء في الظلام

جاءتني الدعوة بصفة خاصة مع طلب تأكيدي علي قبولها، ولكني وقفت قليلا متعحبة تماما هذا العنوان،الذي يحمل بين طياته الكثير من علامات الاستفهام والغرابة”عشاء في الظلام”.

أحسست أنني أقرأ عنوان لإحدي روايات الأدب الغربي المترجم،وكأنني ذاهبة إلى إحدي حفلات العصور الوسطي أكدت علي حضوري وألغيت جميع مواعيدي فأنا ذاهبة إلى حفل عشاء ولكن “عشاء في الظلام “.

كانت المرة الأولى التي أقابل فيها المسؤولين،بجمعية النور الحقيقي للمكفوفين وضعاف البصر بأسيوط،وكان استقبالهم لنا يليق بهم ويليق بنا،أصدقكم القول كانت المرة الأولى التي اتعامل فيها مباشرة مع أشخاص “فاقدي البصر “ولكن لديهم بصيرة غير متوفرة في كثير من الأحيان،لغيرهم من المبصرين.

أثناء الإنتظار لبدء حفل العشاء تبادلت أطراف الحديث مع بعض الأمهات الفاضلات،واوضحن لي كيف ساعدتهم الجمعية،في تخطي مراحل صعبة في حياة وتعليم أبنائهم “فاقدي او ضعاف البصر”.

بدأت مراسم الحفل ولكن في الظلام،تم تقسيمنا إلي مجموعات من”4_5″افراد ولكل مجموعة لها قائد ومرشد ” كفيف من اعضاء الجمعية “يأخذها إلي داخل القاعة ويتولي رعايتها واستضافتها حتي نهاية الحفل.كان مضيف مجموعتي يعرف اسمائنا ويحفظ أصواتنا، شاب صغير في مقتبل العمر اسمه “جرجس”،تقدم المجموعة واولنا يضع يده على كتف جرجس وهكذا كل منا يضع يده على كتف الاخر،حتي لا نغرق ونفترق في بحر الظلام الدامس الذي استوطن قاعة الحفل.

وصلنا إلى طاولة العشاء وجلسنا بعد أن ارشدنا “جرجس” أماكن المقاعد، وهو يردد لنا دائما”نورتونا”جاء بأطباق العشاء وزجاجات العصير والماء،لم يضعهم بطريقة عشوائية ولكن امام كل فردا منا وجبته التي لم نري منها شيئا.ماذا أفعل يا إلهي ؟الظلام شديد حقا لا أري شيئا فقط اسمع اصوات اصوات فقط! الآن يجب أنا اعتمد علي حاسة اللمس والسمع كي أتمكن من تناول عشائي ولكن هذا لايكفي،فأنا لا اري ولا أعرف ماذا أمامي من الطعام،ولكن جاء صوت مضيفنا “جرجس “ليوضح لنا ما امامنا علي طاولة العشاء ونوع وكمية الطعام، وكانه يري ما لانسطيع نحن رؤيته،ساعدني ذلك كثيرا علي تناول الطعام،مع صوت الجميلة “كريستين” وهي تشدو بكلمات اغنية”النور مكانه في القلوب” ولكن كان هناك شيئا مفقود وهي متعة رؤية الطعام وانت تتناوله وذلك ليس بهين.

كان مضيفنا”جرجس”جيد للغاية،يبادلنا أطراف الحديث أثناء تناول الطعام،معلنا عن سعادته بنا ومشاركتنا لهم ولو بوقت قصير في جزء من حياتهم.لا أخفي عليكم كنت اعد الثواني كي ينتهي العشاء وتضاء القاعة “وبدء صوت الجميع بالقاعة في العد التنازلي عشرة،تسعة،……واحد!!!! ياالله لقد عادنا إلي الحياة مرة اخري وكاننا نري بعضنا للوهلة الأولى.

التجربة كانت أكثر من رائعة تعلمت منها الكثير،الإرادة والتحدي والرضا،تصنع المعجزات ، عندما تمتلأ القلوب بالنور والحب حينها يغلب نور البصيرة نور البصر.قضينا نص ساعة في الظلام كنا نحن فيها فاقدي البصر وكانوا هم المبصرين،تجربة اتمني ان يعيشها الكثير لنشعر بالأخر.ستظل هذة التجربة عالقة بذهني إلي الأبد”نحن وجرجس وعشاء في الظلام”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى